المعاصي وغيرها، ويرجيه الشيطان بالتوبة في آخر عمره، فإذا تيقن الموت وأيس من الحياة أفاق من سكرته بشهوات الدنيا، فندم حينئذ على تفريطه ندامة يكاد يقتل نفسه، وطلب الرجعة إلى الدنيا ليتوب ويعمل عملاً صالحًا فلا يجاب إلى ذلك، فتجتمع عليه سكرة الموت مع حسرة الفوت. هذا حال الكثير من الناس. وقد حذر الله عباده من ذلك ليستعدوا للموت قبل نزوله بالتوبة والعمل الصالح، قال الله تعالى: {أَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} [الزُّمَر: 54] قال ابن المبارك: احذر السكرة والحسرة، أن يفجأك الموت وأنت على الغرة، فلا يصف واصف قدر ما تلقى، ولا قدر ما ترى.
عباد الله- والناس في التوبة والعمل الصالح على أقسام. فمنهم من لا يوفق لتوبة نصوح؛ بل ييسر له عمل السيئات من أول عمره إلى آخره حتى يموت مصرًا عليها. وهذه حالة الأِشقياء، نعوذ بالله من حالهم.
وأقبح من ذلك من يسر له في أول عمره عمل الطاعات ثم ختم له بعمل سيء حتى مات عليه، ففي الحديث الصحيح: «إن أحدكم ليعمل عمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ثم يسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها» . وفي بعض رواياته «فيما يبدو للناس» يعني أن نيته بخلاف ذلك.
وقسم يفني عمره في الغفلة والبطالة ثم يوفق لعلم صالح فيموت عليه، وهذه حالة من «يعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها» .