ثنى بعمر بن الخطاب يدعو له. فقام ضبة بن محصن العنزي، فقال: فأين أنت من ذكر صاحبه قبله تفضله عليه- يعني أبا بكر رضي الله عنهما- ثم قعد. فلما فعل ذلك مرارًا أمحكه أبو موسى فكتب أبو موسى إلى عمر رضي الله عنه: أن ضبة يطعن علينا، ويفعل، فكتب عمر إلى ضبة أن يخرج إليه، فبعث به أبو موسى، فلما قدم ضبة المدينة على عمر رضي الله عنه، فقال الحاجب: ضبة العنزي بالباب. فأذن له، فلما دخل عليه قال: لا مرحبًا بضبة، ولا أهلاً. قال ضبة: أما المرحب فمن الله تعالى. وأما الأهل فلا أهل ولا مال. فيم استحللت إشخاصي من بصرى بلا ذنب أذنبت، ولا شيء أتيت؟ قال: ما الذي شجر بينك وبين عاملك؟ قلت: الآن أخبرك يا أمير المؤمنين- إنه كان إذا خطب حمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم ثنى يدعو لك، فغاضبني ذلك منه، وقلت: أين أنت من صاحبه تفضله عليه؟ فكتب إليك يشكوني. قال فاندفع عمر رضي الله عنه باكيًا، وهو يقول: أنت والله أوفق منه وأرشد منه، فهل أنت غافر لي ذنبي يغفر الله لك؟ قلت: غفر الله لك يا أمير المؤمنين؛ ثم اندفع باكيًا يقول: والله لليلة من أبي بكر ويوم خير من عمر وآل عمر- فهل لك أن أحدثك بيومه وليلته؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، قال: أما «ليلته» فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما خرج من مكة هاربًا من المشركين خرج ليلاً فتبعه أبو بكر، فجعل يمشي مرة أمامه، ومرة خلفه، ومرة عن يمينه، ومرة عن يساره. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما هذا يا أبا بكر؟ ما أعرف هذا من فعلك» . فقال: يا رسول الله: أذكر الرصد فأكون أمامك، وأذكر الطلب فأكون خلفك، ومرة عن يمينك، ومرة عن يسارك، لا آمن عليك.