المطالب، ونيلُها أشرفَ المواهب، وحاجةُ العباد إليها أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب والهواء، والكساء والدواء، أمرنا الله بل فرض علينا أن نسأله إياها في أفضل أحوالنا وهي «الصلاة» مرات متعددة في اليوم والليلة قائلين: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} «والصراط المستقيم» هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه. والهداية إليه هي البيان والدلالة، ثم التوفيق والإلهام- وبعبارة أبسط: هي تعريف ما لم نعلمه من الحق تفصيلاً وإجمالاً، وإلهامنا له، وجعلنا مريدين لأتباعه ظاهرًا وباطنًا، ثم خلق القدرة لنا على القيام بموجب الهدى بالقول والعمل والعزم، ثم إدامة ذلك لنا وتثبيتنا عليه إلى الوفاة؛ فإن المجهول لنا من الحق أضعاف المعلوم. وما لا نريد فعله تهاونًا وكسلاً مثل ما نريده أو أكثر منه أو دونه. وما لا نقدر عليه مما نريده كذلك. وما نعرف جملته ولا نهتدي لتفاصيله فأمر يفوت الحصر. ونحن محتاجون إلى الهداية التامة. فمن كملت له هذه الأمور كان سؤال الهداية له سؤال التثبيت والدوام.

{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} نبه سبحانه على الرفيق في هذا الطريق أنهم الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ليزول عن الطالب للهداية وسلوك الطريق وحشةُ تفرده عن أهل زمانه وبني جنسه، فلا يكترثْ بمخالفة الناكبين عنه، فإنهم الأقلون قدرًا، وإن كانوا الأكثر عددًا. وتخصيصه لأهل الصراط المستقيم بالنعمة يدل على أن النعمة التامة المطلقة هي الموجبة للفلاح الدائم، وهي نعمة الإسلام والسنة وهي لأهل الإيمان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015