أما بعد: فيا عباد الله: الشرائع ضرورية في مصالح الخلق، وضرورتهم إليها فوق كل ضرورة تقدر- فهي أسباب موصلة إلى سعادة الدارين، ورأس الأسباب الموصلة إلى صحة البدن وقوته واستفراغ أخلاطه، ومن لم يتصور الشريعة على هذه الصورة فهو من أبعد الناس عنها- انظروا إلى الأمكنة والأزمنة التي خليت فيها آثار النبوة كيف حال أهلها، وما دخل عليهم من الجهل والظلم، والكفر بالخالق، والإشراك بالمخلوق، واستحسان القبائح، وفساد العقائد والأعمال.

عباد الله! قد جعل الحكيم العليم لكل قوة من القوى ولكل حاسة من الحواس ولكل عضو من الأعضاء كمالاً حسيًا وكمالاً معنويًا؛ فأعطاه كماله الحسي خَلْقًا وَقَدَرًا، وأعطاه كماله المعنوي شرعًا وأمرًا، فبلغ بذلك غاية السعادة والانتفاع بنفسه- ويكفي العاقل البصيرَ الحيَّ القلب فِكْرُهُ في فرع واحد من فروع الأمر والنهي وهو «الصلاة» وما اشتملت عليه من الحكم الباهرة، والمصالح الباطنة والظاهرة، والمنافع المتصلة بالقلب والروح والبدن والقوى، التي لو اجتمع حكماء العالم واستفرغوا قواهم وأذهانهم لما أحاطوا بتفاصيل حكمها وأسرارها وغاياتها المحمودة، وما في مقدماتها وشروطهما من الحكم العجيبة: من تطهير الأعضاء والثيات والمكان، وأخذ الزينة، واستقبال بيته الذي جعله إمامًا للناس، وتفريغ القلب لله، وإخلاص النية، وافتتاحها بكلمة (الله أكبر) الجامعة لمعاني العبودية، الدالة على أصول الثناء وفروعه، المخرجة من القلب الالتفات إلى ما سواه- فيقوم بقلبه الوقوف بين يدي عظيم جليل أكبر من كل شيء وأعظم من كل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015