وبهذا يكون دينه كاملاً، كما قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: 3] .
وكذلك أعطاهم سبحانه من العلوم المتعلقة بصلاح معاشهم ودنياهم بقدر حاجتهم: كعلم الطب، والحساب، وعلم الزراعة، وضروب الصنائع، واستنباط المياه، وعقدة الأبنية، وصنعة السفن، واستخراج المعادن، وتهيئتها لما يراد منها، وتركيب الأدوية، وصنعة الأطعمة، ومعرفة ضروب الحيل في صيد الوحش والطير ودواب الماء، والتصرف في وجوه التجارات، ومعرفة وجوه المكاسب، وغير ذلك مما فيه قيام معايشهم.
ثم منعهم سبحانه علم ما سوى ذلك مما ليس من شأنهم؛ ولا فيه مصلحة لهم، ولا نشأتهم قابلة له؛ فجهلهم به لا يضر، وعلمهم به لا ينتفعون به انتفاعًا طائلاً: كعلم الغيب، وعلم ما كان وكل ما يكون، والعلم بعدد القطر، وأمواج البحر، وذرات الرمال، ومساقط الأوراق، وعدد الكواكب ومقاديرها، وعلم ما فوق السموات وما تحت الثرى، وما في لجج البحار، وأقطار العالم، وما يكنه الناس في صدورهم، وما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد، إلى سائر ما غرب عنهم علمه.
ومنعهم من العلم علم الساعة، ومعرفة آجالهم فإن كان قصير العمر لم يتهنأ بالعيش وخربت الدنيا لأن عمارتها بالآمال، وإن تحقق طول عمره لم يبال بالانهماك في الشهوات وأنواع الفساد وتأخير التوبة، وقد قال تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ