ومنها أنه لا يزال يضرب على صاحبه حتى ينيب إلى ربه ويخبت إليه ويتعلق به.
ومنها أن يترحل عن الدنيا ويقرب من الآخرة حتى يصير من أهلها.
والقلب قد يمرض فتعتل صحته. ولمرضه علامات، وله علاج. فمرض القلب أن يتعذر عليه ما خلق له من معرفة الله ومحبته والشوق إلى لقائه والإنابة إليه وإيثار ذلك على كل شهوة فلو عرف العبد كل شيء ولم يعرف ربه فكأنه لم يعرف شيئًا، ولو نال كل حظ من حظوظ الدنيا ولذاتها وشهواتها ولم يظفر بمحبة الله والشوق إليه والأنس به فكأنه لم يظفر بلذة ولا نعيم ولا قرة عين؛ بل يصير معذبًا بنفس ما كان يراه منعمًا به: من جهة حسرة فوته، ومن جهة فوت ما هو خير له وأنفع وأدوم.
وللقلب مرضان: مرض الشهوة، ومرض الشبهة. والقرآن شفاء للنوعين ففيه من البينات والبراهين القطعية ما يبين الحق من الباطل في الاعتقادات والآراء الفاسدة، فتزول أمراض الشبه المفسدة للعلم والتصور والإدراك، بشرط فهمه ومعرفة المراد منه.
وأما شفاؤه لمرض الشهوات فذلك بما فيه من الحكمة والموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب والتزهيد في الدنيا والترغيب في الآخرة والأمثال والقصص التي فيها أنواع العبر والاستبصار، فيرغب
القلب السليم إذا أبصر ذلك فيما ينفعه في معاشه ومعاده، ويرهب عما يضره فيصير القلب محبًا للرشد مبغضًا للغي فتصلح إرادته، ويعود إلى فطرته التي فطر عليها، فتصلح أفعاله الاختيارية