مجملاً ومفصلا؛ وقسمهم إلى شقي وسعيد، وجعل لكل من الفريقين منزلا، وأعطاهم موارد العلم والعمل: من القلب والسمع والبصر. فمن استعمل ذلك في طاعته وسلك به طريق معرفته فقد قام بشكر ما أوتيه من ذلك. ومن استعمله في إراداته وشهواته ولم يرع حق خالقه فيه يخسر إذا سئل عن ذلك ويحزن حزنًا طويلا، ويقول {يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} [الزُّمَر: 56] .
عباد الله: إن عبادة الله وشكره وذكره وأوامره وحقه الذي أوجبه على عباده وشرائعه التي شرعا لهم هي قرة العيون، ولذة القلوب، ونعيم الأرواح وسرورها، وبها شفاؤها، وسعادتها وفلاحها، وكمالها في معاشها ومعادها؛ بل لا سرور لها ولا فرح ولا لذة ولا نعيم في الحقيقة إلا بذلك. لكن لا يدرك هذه القرة وهذه اللذة وهذا النعيم إلا من كان قلبه صحيحًا فالقلب الصحيح هو الذي يؤثر النافع الشافي على الضار المؤذي، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58، 59] .
ومن علامات صحة القلب أنه إذا دخل في الصلاة ذهب عنه همه وغمه بالدنيا، واشتد عليه خروجه منها، ووجد فيها راحته ونعيمه وسرور قلبه، قال - صلى الله عليه وسلم -: «يا بلال أرحنا بالصلاة» وقال عليه الصلاة والسلام: «وجعلت قرة عيني في الصلاة» .
ومنها أن يشح بوقته أن يذهب ضائعًا.