الخطبة الثانية
الحمد لله على نعمه وإحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكامل في صفاته وأسمائه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أعرف الخلق بربه، وأشدهم حبًا له وطلبًا لرضوانه. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه الذين عرفوا أن الغاية من الخلق هي العبادة، والعبادة هي غاية المحبة والذل له سبحانه.
أما بعد: عباد الله: تظهر حقيقة المحبة في مواطن أربعة: أحدها: عند أخذ مضجعه وتفرغ حواسه وجوارحه من الشواغل، فإنه لا ينام إلا على ذكر من يحبه وشغل قلبه به. الثاني: عند انتباه من النوم فأول شيء يسبق إلى قلبه ذكر محبوبه الذي كان قد غاب عنه في النوم. الثالث: عند دخوله في الصلاة فإنها محك الأحوال، وميزان الإيمان بها يوزن إيمان الرجل ويتحقق حاله ومقامه ومقدار قربه من الله ونصيبه منه، فإذا قام إلى الصلاة واطمأن بذكره وقرت عينه بالمثول بين يديه ومناجاته وانفسح قلبه وانشرح واستراح دل على حقيقة المحبة. الرابع: عند الشدائد والأهوال؛ فإن القلب في هذا الموطن لا يذكر إلا أحب الأشياء إليه، ولا يهرب إلا إلى محبوبه الأعظم عنده. والمحب يتسلى بمحبوبه عن كل مصيبة يصاب بها دونه؛ ولهذا لما خرجت تلك المرأة الأنصارية يوم أُحد تنظر ما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرت بأبيها وأخيها مقتولين فلم تقف عندهما، وجاوزتهما تقول: ما فعل رسول الله؟ فقيل لها: ها هو ذا حي، فلما نظرت إليه قالت: ما أبالي إذا سلمت هلك من