فانظروا إلى هذه العناية وهذا الإحسان وهذا التحنن والعطف والتحبب إلى العباد واللطف التام بهم.
ومع هذا بعد أن أرسل إليهم رسله وأنزل عليهم كتبه وتعرف إليهم بأسمائه وصفاته وآلائه ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا يسأل عنهم ويستعرض حوائجهم بنفسه، ويدعوهم إلى سؤاله فيدعو مُسِيئهم إلى التوبة، ومريضهم إلى أن يشفيه، وفقيرهم إلى أن يسأله غناه، وذا حاجتهم أن يسأله قضاءها كل ليلة.
ويدعوهم إلى التوبة وقد حاربوه وعذبوا أولياءه وأحرقوهم بالنار، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البُرُوج: 10] وقال بعض السلف: انظروا إلى كرمه كيف عذبوا أولياءه وحرقوهم بالنار وهو يدعوهم إلى التوبة.
فهذا الباب يدخل منه كل أحد إلى محبته سبحانه وتعالى؛ فإن نعمته على عباده مشهودة لهم يتقلبون فيها عَدَدَ الأنفاس واللحظات.
فإذا انضم داعي الإحسان والإنعام إلى داعي الكمال والجمال لم يتخلف عن محبة من هذا شأنه إلا أردأ القلوب وأخبثها، وأشدها نقصًا وأبعدها من كل خير؛ فإن الله فطر القلوب على محبة المحسن الكامل في أوصافه وأخلاقه، ولا أحد أعظم إحسانًا منه سبحانه وتعالى، ولا شيء أكمل منه ولا أجمل فكل كمال وجمال في المخلوق من آثار صنعه سبحانه وتعالى ودال على كمال مبدعه، كما أن كل علم في الوجود فهو من آثار علمه، وكل قدرة فمن آثار