فقال له إبراهيم: {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} [البقرة: 258] فإن كنت صادقًا فافعل مثل فعله في طلوع الشمس فإذا أطلعها من جهة فأطلعها أنت من جهة أخرى. استدل إبراهيم - عليه السلام - بأفعال الرب المشهودة المحسوسة التي تستلزم وجوده وكمال قدرته ومشيئته وعلمه ووحدانيته من الإحياء والإماتة المشهودين اللذين لا يقدر عليهما إلا الله وحده، وإتيانه تعالى بالشمس من المشرق فتنصاع لقدرته ومشيئته لا يقدر أحد سواه على ذلك. فلما علم عدو الله صحة ذلك وأن من هذا شأنه على كل شيء قدير بهت وأمسك وظهر بطلان دعواه وكذبه، وأنه لا يصلح للربوبية وأهلكه الله وجنوده، قال زيد بن أسلم (?) : جمع النمرود جيشه وجنوده وقت طلوع الشمس وأرسل الله عليهم بابا من البعوض فأكلت لحومهم ودماءهم وتركتهم عظامًا بادية، ودخلت واحدة منها في منخري الملك فمكثت فيه أربعمائة سنة عذبه الله بها حتى أهلكه بها.
واقتدى به فرعون حين دعاه موسى إلى ربه وفاطره وخالقه الذي أوجده ورباه بنعمه: جنينًا، وصغيرًا، وكبيرًا، وآتاه الله الملك، فقابل هذا بغاية الكفر والعناد، وادعى أنه رب العالمين، هذا وهو يعلم أنه ليس بالذي خلق فسوى، ولا قدر فهدى، فكذب الخبر، وعصى الأمر، ثم أدبر يسعى بالخديعة والمكر، فحشر جنوده فأجابوه، ثم نادى فيهم بأنه ربهم الأعلى واستخفهم فأطاعوه، فبطش به جبار السموات والأرض بطش عزيز مقتدر، وأخذه نكال الآخرة والأولى ليعتبر بذلك من يعتبر.