المعنى الذي أراد الله به، وهذا مما يؤيد أنهم فعلوا كذلك بالتوراة والإنجيل فإنه إذا كان القرآن الذي قد عرف تفسيره، والمراد به العام والخاص، ونقل ذلك عن الرسول نقلًا متواترًا حتى عرف معناه علما يقينًا اضطراريًّا فيبدلون معناه ويحرفون الكلم عن مواضعه، فماذا يصنعون بالتوراة والإنجيل ولم ينقل لفظ ذلك ومعناه كما نقل القرآن وليس في أهل تلك الكتب من يذب عن لفظها ومعناها كما يذب المسلمون عن لفظ القرآن ومعناه؟ (?).
الوجه الثاني: "ذلك" تستخدم للإشارة إلى الغائب والحاضر.
وهؤلاء غرهم قوله: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} فظنوا أن لفظ {ذَلِكَ} لما كان يشار بها إلى الغائب أشير بها إلى الإنجيل. فيقال لهم: هذا كقوله: {ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58)} (آل عمران: 58)، وأشار بذلك إلى ما تلاه قبل هذه الآية، وقوله: {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} (الممتحنة: 10)، وقوله: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (الطلاق: 2)، ومثله قوله تعالى بعد أن ذكر خبر يوسف الصديق: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ} (يوسف: 102).
وقال أيضًا لما ذكر خبر مريم: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ} (آل عمران: 44)، كما قال لما ذكر آيات يخبر فيها عن نوح: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ} (هود: 49)، وقال: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (?) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (يوسف: 1، 2).
و(تلك) في المؤنث مثل (ذلك) في المذكر، ومع هذا فأشار إلى القرآن ومنه قوله: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ} (الحجر: 1)، وقوله: {طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ} (النمل: 1)، ومنه قوله: {طسم (?) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} (القصص: 1، 2).