على الشريعة الماضية هو سبب لسلامة البقية، فلولا أهل الاستقامة في زمن موسى - عليه السلام - لم تبق صوامع يُعبد الله فيها على الدين الصحيح لعموم الهلاك فينقطع الخير بالكلية، وكذلك سائر الأزمان، فلولا أهل الخير في زماننا لم يبق مسجد يُعبد الله فيه على الدين الصحيح، ولغضب الله تعالى على أهل الأرض.
والصوامع أمكنة الرهبان في زمن الاستقامة حيث يُعبد الله تعالى فيها على دين صحيح، وكذلك البيعة والمسجد، وليس المراد هذه المواطن إذا كفر بالله تعالى فيها وبُدلت شرائعه، وكانت محل العصيان والطغيان، لا محل التوحيد والإيمان، وهذه المواطن في زمن الاستقامة لا نزاع فيها، إنما النزاع لما تغيرت أحوالها وذهب التوحيد وجاء التثليث، وكُذبت الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وصار ذلك يُتلى في الصباح والمساء، فحينئذ هي أقبح بقعة على وجه الأرض وألعن مكان يوجد، فلا تجعل هذه الآية دليلًا على تفضيلها (?).
قال الزجاج: ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدم في شرع كل نبي المكان الذي يصلي فيه، فلولا ذلك الدفع لهدم في زمن موسى الكنائس التي كانوا يصلون فيها في شرعه، وفي زمن عيسى الصوامع، وفي زمن نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - المساجد فعلى هذا إنما دفع عنهم حين كانوا على الحق قبل التحريف وقبل النسخ (?).
الوجه الرابع: الضمير يعود على أقرب مذكور.
قال القرافي: والآية تدل على أن المساجد أفضل بيت وُضع على وجه الأرض للعابدين من وجه آخر، وذلك أن القاعدة العربية أن الضمائر إنما يحكم بعودها على أقرب مذكور، فإذا قلت: جاء زيد وخالد وأكرمته، فالإكرام خاص بخالد، لأنه الأقرب، فقوله تعالى: {يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} يختص بالأخير الذي هو المساجد؛ لأن قوله فيها