العالم بالحق العادل عنه قصدًا إلى غيره، فنزه الله سبحانه وتعالى رسوله وشَرْعَه عن مشابهة أهل الضلال كالنصارى وطرائق اليهود، وعن علم الشيء وكتمانه والعمل بخلافه، بل هو - صلى الله عليه وسلم - وما بعثه الله به من الشرع العظيم في غاية الاستقامة والاعتدال والسداد؛ ولهذا قال: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (?)} أي: ما يقول قولًا عن هوى وغرض، {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} أي: إنما يقول ما أُمر به، يبلغه إلى الناس كاملا موفَّرًا من غير زيادة ولا نقصان، كما رواه الإمام أحمد: عن أبي أمامة أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ليدخلنّ الجنة بشفاعة رجل ليس بنبي مثلُ الحيين - أو: مثل أحد الحيين -: رَبِيعة ومُضَر"، فقال رجل: يا رسول الله، أو ما ربيعة من مضر؟ قال: "إنما أقول ما أقول". (?)
وقال الإمام أحمد: عن عبد الله بن عمرو قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أريد حفظه، فنهتني قريش فقالوا: إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشر يتكلم في الغضب، فأمسكتُ عن الكتابة. فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "اكتب فوالذي نفسي بيده، ما خرج مني إلا حق" (?).
وقال الإمام أحمد: عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا أقول إلا حقًّا". قال بعض أصحابه: فإنك تداعبنا يا رسول الله؟ قال: "إني لا أقول إلا حقًّا" (?).
وقال القاسمي: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ} يعني: محمدًا - صلى الله عليه وسلم - والخطاب لقريش - أي: ما حاد عن الحق ولا زال عنه، {وَمَا غَوَى}: أي: ما صار غويًا، ولكنه على استقامة وسداد ورشد وهدى، وفيه تعريض بأنهم أهل الضلال والغي، وذكره - صلى الله عليه وسلم - بعنوان (صاحبهم)