بِحَيْثُ لَا يَسْمَع مَنْ حَضَرَ شَكْوَاهَا، وَلَا مَا دَار بَيْنهمَا مِنْ الْكَلَام، وَلهِذَا سَمِعَ أَنس آخِر الْكَلَام فَنَقَلَهُ وَلَمْ يَنْقُل مَا دَار بَيْنهمَا لأنهُ لَمْ يَسْمَعهُ (?).
ووقع عند مسلم عن أنس (أَنَّ اِمْرَأَة كَانَتْ فِي عَقْلهَا شَيْء، فَقَالَتْ: يَا رَسول الله إِنَّ لِي إِلَيْك حَاجَة، فَقَالَ: "يَا أُمّ فُلَان انظُرِي أَيَّ السِّكَك شِئْت حَتَّى أَقْضِيَ لَك حَاجَتك؟ " (?).
فِي مثل هَذه الْأَحَادِيث بَيَان بُرُوزه - صلى الله عليه وسلم - لِلنَّاسِ، وَقُرْبه مِنْهُمْ، لِيَصِلَ أَهْل الحْقُوق إِلَى حُقُوقهمْ، ويُرْشِدَ مُسْتَرْشِدهمْ ليُشَاهِدُوا أَفْعَاله وَحَرَكَاته فَيُقْتَدَى بِهَا، وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِوُلَاةِ الْأُمُور (?).
وفي الحديث منقبة للأنصار، وَفِيهِ سَعَة حِلْمه وَتَوَاضُعه - صلى الله عليه وسلم - وَصَبْره عَلَى قَضَاء حَوَائِج الصَّغِير وَالْكَبِير، وَفِيهِ أَنَّ مُفَاوَضَة المُرْأَة الْأَجْنَبِيَّة سِرًّا لَا يَقْدَح فِي الدِّين عِنْد أَمْن الْفِتْنَة، وَلَكِنَّ الْأَمْر كما قَالَتْ عَائِشَة: وَأَيّكُمْ يَمْلِك إِرْبه كَمَا كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يَمْلِك إِرْبه (?).
قال البدر العيني: والرجل الأمين ليس عليه بأس إذا خلا بامرأة في ناحية من الناس لما تسأله عن بواطن أمرها في دينها وغير ذلك من أمورها، وليس المراد من قوله أن يخلو الرجل أن يغيب عن أبصار الناس، فلذلك قيده بقوله (عند الناس).
وقول أنس - رضي الله عنه - في الحديث (فخلا بها) يدل على أنه كان مع الناس، فتنحى بها ناحية، لأن أنسًا الذي هو راوي الحديث كان هناك، وجاء في بعض طرقه أنه كان معها صبي أيضًا، فصح أنه كان عند الناس، ولا سيما أنهم سمعوا قوله: "أنتم أحب الناس إلي" يريد بهم الأنصار، وهم قوم المرأة (?).
وقال النووي: هَذِهِ الْمرْأَة إِمَّا مَحْرَم لَهُ كَأُمِّ سُلَيْمٍ وَأُخْتهَا. وَإِمَّا الْمرَاد بِالْخَلْوَةِ أَنَّهَا سَأَلتْهُ سؤَالًا خَفِيًّا بِحَضْرَةِ نَاس، وَلَمْ يَكُنْ خَلْوَة مُطْلَقَة وَهِيَ الْخَلْوَة المنْهِيّ عَنْهَا (?).