الأول: وأما قوله تعالى: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} فقالوا: وذلك يقتضى كونه شاكًّا في قدرة الله تعالى.

والجواب عليه من هذه الوجوه:

الوجه الأول: أن هذا قول مردود باطل لا شك فيه.

فقالت فرقة: استزله إبليس ووقع في ظنه إمكان ألا يقدر الله عليه بمعاقبته. وهذا قول مردود مرغوب عنه؛ لأنه كفر. ومن ظن عجز الله تعالى فهو كافر. (?)

قال ابن حزم: وأما قوله تعالى: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} فليس على ما ظنوه من الظن السخيف الذي لا يجوز أن يظن بضعيفة من النساء أو بضعيف من الرجال إلا أن يكون قد بلغ الغاية من الجهل فكيف بنبي مفضل على الناس في العلم ومن المحال المتيقن أن يكون نبي يظن أن الله تعالى الذي أرسله بدينه لا يقدر عليه وهو يرى أن آدميا مثله يقدر عليه، ولا شك في أن من نسب هذا للنبي الفاضل فإنه يشتد غضبه لو نسب ذلك إليه أو إلى ابنه فكيف إلى يونس - عليه السلام - الذي يقول فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى" (?).

فقد بطل ظنهم بلا شك. (?)

الوجه الثاني: نقدر عليه، أي: نضيق عليه.

ومن إطلاق "قدر" بمعنى "ضيق" في القرآن كقوله تعالى: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} أي: ويضيق الرزق على من يشاء، وقوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [الطلاق: 7]، فقوله: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ}: ومن ضيق عليه رزقه، وقوله تعالى: {وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} [الفجر: 16] [الفجر: 16] أي: ضيق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015