وقد ذكر ابن تيمية قريبًا من هذا الجمع فقال: وليس بمجرد العمل ينال الإنسان السعادة، بل هي سبب، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنه لن يدخل أحدكم الجنة بعمله قالوا: ولا أنت يا رسول الله! قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل" وقد قال تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} فهذه باء السبب، أي بسبب أعمالكم، والذي نفاه النبي - صلى الله عليه وسلم - باء المقابلة، كما يقال: اشتريت هذا بهذا، أي: ليس العمل عوضًا، وثمنًا كافيًا في دخول الجنة، بل لا بد من عفو الله وفضله ورحمته، فبعفوه يمحو السيئات، وبرحمته يأتي بالخيرات، وبفضله يضاعف البركات. (?)
الطريقة الثانية: الناسخ والمنسوخ.
النسخ هو: رفع الحكم الشرعي بخطاب شرعي متراخ عنه. (?)
ومثال وقوع النسخ في القرآن:
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة: 240]، فبينت الآية أن عدة المتوفَّى عنها زوجها عام كامل.
وقد نسخت بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234].
فبينت الآية أن عدة المتوفَّى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرًا، وهي ناسخة للحكم الأول.
ومثال وقوع النسخ في السنة:
قوله - صلى الله عليه وسلم -: "تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ" (?).
ونسخ هذا الحكم بحديث ابن عباس وغيره: "أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ". (?)