والحالة هذه- لا أَثَر له.
وقد بين ابن القَيِّم -رحمه الله- ذلك وأكده، فقال: لا يجوز معارضة الأحاديث الثابتة بحديث من قد أجمع علماء الحديث على ترك الاحتجاج به. (?)
وقال: ومعارضة الأحاديث الباطلة للأحاديث الصحيحة لا توجب سقوط الحكم بالصحيحة والأحاديث الصحيحة يصدق بعضها بعضًا. (?)
الشرط الأول: اتحاد محل الحكمين المستفادين من الدليلين، فإن اختلف المحل فلا تعارض. فالنكاح الصحيح مثلًا يحل ويحرم، ولا تقابل ولا تعارض لاختلاف المحل، فيحل الزوجة، ويحرم أمها، فلا تعارض بين قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223]، لكونه في الزوجة التي أحلها عقد النكاح وهي محل الحكم، وبين قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} إلي قوله: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23]، لكونه في الأم التي هي محل التحريم بالعقد على ابنتها، فاختلف محل الحكمين.
الشرط الثاني: اتحاد الجهة، ويُعَبَّر عنه باتحاد الحال أي: الحال المحمول عليه كل من الحكمين التي يتوجه إليها الحكمان المتقابلان، فإن اختلفت الجهة ولو اتحد الحكم فلا تعارض، ومثال ذلك الأمر بحلق الرأس في الحج والعمرة، والنهي عن حلقه فيهما، لاختلاف جهة الحكم، فلا تعارض بين قوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196]، وبين قوله: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: 27]، فالآية الأولى فيما يحرمه الإحرام بالحج والعمرة، والآية الثانية في التحلل من الحج والعمرة.
ومثال آخر قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6].