من الاعتماد على الجهود البدنية فهم يبتغون الولد الذكور رجاء الاستعانة بهم عند الكبر وذلك أمر قد يعرض، وقد لا يعرض أو لمحبة ذِكر المرء بعد موته وذلك أمر وهمي، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد أغناه الله بالقناعة، وأعزّه بالتأييد، وقد جعل الله له لسان صدق لم يجعل مثله لأحد من خلقه، فتمحض أن كماله الذاتي بما علمه الله فيه إذ جعل فيه رسالته، وأن كماله العرضي بأصحابه وأمته إذ جعله الله أولى بالمؤمنين من أنفسهم (?).

وعلى هذا المعنى فالآية ليست سبًا وشتمًا، وإنما كانت تسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم - لما حدث له وليس فيها شيء من السب كما أراد هو أن يسب النبي - صلى الله عليه وسلم - ويعيره.

الوجه الثالث: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

فالآية تسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم - وليست ردًا على الشتم والسب، أي أن مبغضك هو المنقطع عن الخير على العموم فيعم خيري الدنيا والآخرة أو الذي لا عقب له أو الذي لا يبقى ذكره بعد موته.

وظاهر الآية العموم وأن هذا شأن كل من يبغض النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا ينافي ذلك كون سبب النزول هو العاص بن وائل فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فتوهموا لجهلهم أنه إذا مات بنوه ينقطع ذكره وحاشا وكلا بل قد أبقى الله ذكره على رؤوس الأشهاد وأوجب الله شرعه على رقاب العباد مستمرا على دوام الآباد إلى يوم الحشر والمعاد صلوات الله وسلامه عليه دائمًا إلى يوم التناد (?).

وعلى هذا فالمعنى: أنَّ الذي قالوه فيك كلام فاسد يضمحل ويفنى، وأما المدح الذي ذكرناه فيك فإنه باق على وجه الدهر، ومن ثم نزلت هذه السورة تمسح على قلبه - صلى الله عليه وسلم - بالروح والندى وتقرر حقيقة الخير الباقي الممتد والذي اختاره له ربه وحقيقة الانقطاع والبتر المقدر لأعدائه. فالآية تدل عن حال ومآل من اتصف بهذا الوصف.

الوجه الرابع: بيان بعض الأدلة على رحمة الله سبحانه وتعالى من القرآن والسنة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015