تعظيمهما، وأما الإخوة وسائر الداخلين فخروا له ساجدين. فإن قالوا: فهذا لا يلائم قوله: {وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ}.
قلنا: إن تعبير الرؤيا لا يجب أن يكون مطابقًا للرؤيا بحسب الصورة والصفة من كل الوجوه، فسجود الكواكب والشمس والقمر تعبير عن تعظيم الأكابر من الناس له، ولا شك أن ذهاب يعقوب مع أولاده من كنعان إلى مصر لأجله في نهاية التعظيم له، فكفى هذا القدر في صحة الرؤيا، فأما أن يكون التعبير مساويًا لأصل الرؤيا في الصفة والصورة فلم يوجبه أحد من العقلاء (?).
الوجه السابع: قد يسمى التواضع سجودًا.
كقوله: ترى الأكم فيها سجدًّا للحوافر. . . وكان المراد ههنا التواضع إلا أن هذا مشكل؛ لأنه تعالى قال: {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} والخرور إلى السجدة مشعر بالإتيان بالسجدة على أكمل الوجوه، وأجيب عنه: بأن الخرور قد يعني به المرور فقط قال تعالى: {لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} [الفرقان: 73] يعني: لم يمروا (?).
الوجه الثامن: كان السجود تربية لأخوة يوسف - عليه السلام -.
فلعل إخوته حملتهم الأنفة والاستعلاء على أن لا يسجدوا له على سبيل التواضع، وعلم يعقوب - عليه السلام - أنهم لو لم يفعلوا ذلك لصار ذلك سببًا لثوران الفتن ولظهور الأحقاد القديمة بعد كمونها، فهو - عليه السلام - مع جلالة قدره وعظم حقه بسبب الأبوة والشيخوخة والتقدم في الدين والنبوة والعلم فعل ذلك السجود، حتى تصير مشاهدتهم لذلك سببًا لزوال الأنفة والنفرة عن قلوبهم، ألا ترى أن السلطان الكبير إذا نصب محتسبًا فإذا أراد