فالمراد بهذه الآية أنهم خروا له؛ أي: لأجل وجدانه سجدًّا لله تعالى، وحاصل الكلام: أن ذلك السجود كان سجودًا للشكر فالمسجود له هو الله، إلا أن ذلك السجود إنما كان لأجله والدليل على صحة هذا التأويل أن قوله: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} مشعر بأنهم صعدوا ذلك السرير، ثم سجدوا له، ولو أنهم سجدوا ليوسف لسجدوا له قبل الصعود على السرير لأن ذلك أدخل في التواضع، فإن قالوا: فهذا التأويل لا يطابق قوله: {وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ}، والمراد منه قوله: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يوسف: 4]. قلنا: بل هذا مطابق، ويكون المراد من قوله: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} لأجلي، أي: أنها سجدت لله لطلب مصلحتي وللسعي في إعلاء منصبي، وإذا كان هذا محتملًا سقط السؤال. (?)

الوجه الثاني: كانت تحية الملوك على هذه الهيئة.

قوله تعالى: {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا}، يقول: وخرَّ يعقوب وولده وأمّه ليوسف سُجدًّا. . . تحمّل يعني: يعقوب بأهله حتى قدموا على يوسف، فلما اجتمع إلى يعقوب بنوه، دخلوا على يوسف، فلما رأوه وقعوا له سجودًا، وكانت تلك تحية الملوك في ذلك الزمان أبوه وأمه وإخوته. (?)

قال ابن عاشور: وكان السجود تحية الملوك وأضرابهم، ولم يكن يومئذٍ ممنوعًا في الشرائع وإنما منعه الإسلام لغير الله تحقيقًا لمعنى مساواة الناس في العبودية والمخلوقية؛ ولذلك فلا يعدّ قبوله السجودَ من أبيه عقوقًا لأنه لا غضاضة عليهما منه إذ هو عادتهم (?).

الوجه الثالث: كانت تحية فيهم ولم تكن عبادة.

إن السجود كان تحية بينهم، أن ذلك كان منهم على الخُلُق، لا على وجه العبادة من بعضهم لبعض، ومما يدل على أن ذلك لم يزل من أخلاق الناس قديمًا قبل الإسلام على غير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015