ثالثًا: توجيه قول الحاكم:
قال الحاكم رحمه الله تعالى: ذاهب الحديث. لم يذكر التوجيه.
الوجه الخامس: هناك فرق بين التوثيق للحديث والتوثيق للقراءة.
قال الذهبي في ترجمة عاصم: وما زال في كل وقت يكون العالم إمامًا في فن مقصرًا في فنون (?).
فقد يكون الإمام متقنًا لفن من الفنون، ومُبَرِّزًا في علم من العلوم؛ لكونه أنفق فيه جل حياته، واعتنى بطلبه وتدريسه عناية فائقة، بينما يكون مقصرًا في فن آخر؛ لعدم إعطائه تلك العناية، فيكون عمدة في فنه الذي ضبط معرفته وأتقنه، وتنزل مرتبته فيما قصّر فيه؛ بل قد يكون فيه غير معتمد.
ومن ضوابط الترجيح بين الجرح والتعديل عند التعارض من المسائل التي شغلت بال المشتغلين بالحديث ومصطلحه تنازع الجارحين والمعدلين في الراوي الواحد. فيجتمع فيه جرح الجارحين وتعديل المعدلين، وقد تكلم علماؤنا في مثل هذا، فقالوا: إذا اجتمع في شخص جرح وتعديل، فالجرح مقدم؛ لأن المعدل يخبر عما ظهر من حاله، والجارح يخبر عن باطن خفي على المعدل (?).
من هذه الضوابط: اعتبار ما إذا كان للراوي تميز واختصاص في نوع من علوم الشرع فيوثق في ذلك العلم خاصة دون غيره. إذا لم يثبت عليه ما يسقط روايته مطلقًا، وأما في سوى ذلك فقد تقصر درجته عن الاحتجاج أو حتى عن الاعتبار.
مثال ذلك: عاصم بن أبي النجود المقرئ المشهور وأحد القراء السبعة. يقول فيه الذهبي: (كان عاصم ثبتا في القراءة، صدوقا في الحديث، وقد وثقه أبو زرعة، وجماعة. وقال أبو حاتم: محله الصدق، وقال الدارقطني: في حفظه شيء. يعني: للحديث لا