وهذا مسلك مهم في دفع الإشكال، ذلك أن ما أُجمل في موطن فإنه قد فسر في موطن آخر، وما اختصر في موضع، فقد بسط في موضع آخر، وقد كان هذا المسلك أحد المناهج النبوية في دفع الإشكال عن الآيات.

فمنه ما أخرجه البخاري عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: لما نزلت {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} (الأنعام: من الآية 82): شق ذلك على المسلمين، فقالوا: يا رسول الله، أينا لا يظلم نفسه، قال: ليس ذلك إنما هو الشرك، ألم تسمعوا ما قال لقمان لابنه وهو يعظه {يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]. (?)

فالآيتان أشارتا إلى الظلم، وفسرت إحداهما بالأخرى.

سادسًا: النظر في السياق:

فهذا مما يعين على فهم المعنى عند الإشكال، فإنَّ دلالة السياق ترشد إلى تبيين المجمل، والقطع بعدم احتمال غير المراد، وتخصيص العام، وتقييد المطلق، وتنوع الدلالة، وهو من أعظم القرائن الدالة على مراد المتكلم، فمن أهمله غلط في نظيره، وغالط في مناظرته، وانظر إلى قوله تعالى {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49)} [الدخان: 49]. (?)

ومن هذا الباب ما أورده الشوكاني في قوله تعالى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ} [الصافات: 139 - 145]

حيث يقول: وقد استشكل بعض المفسرين الجمع بين ما وقع هنا من قوله: {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ} وقوله في موضع آخر {لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ} [القلم: 49] فإن هذه الآية تدل على أنه ينبذ بالعراء.

وأجاب النحاس وغيره بأن الله سبحانه أخبر ها هنا أنه نبذ بالعراء وهو غير مذموم،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015