وليت من تكلم الهذيان تنكب عن ميدان الفرسان، ليسلم من أسنة ألسنتهم عرضه، وينطوي من بساط المشاجرة طوله وعرضه، ولم يسمع ما يضيق به صدره، ولم ينتهك بين أفاضل الأمة ستره، وإذا أبى إلا المهارشة والمناقشة، والمواحشة والمفاحشة، فليصبر على حزّ الحلاقم، ونكز الأراقم، ونهش الضراغم، والبلاء المتراكم المتلاطم، ومتون الصوارم.
فوالذي نفسي بيده؛ ما بارز أهل الحق قط قرن إلا كسروا قرنه، فقرع من ندم سنه، ولا ناحرهم خصم إلا بشّروه بسوء منقلبه، وسدّوا عليه طريق مذهبه لمهربه، ولا فاصحهم أحد -ولو كان مثل خطباء إياد- إلا فصحوه وفضحوه، ولا كافحهم مقاتل -ولو كان من بقية قوم عاد- إلا كبُّوه على وجهه وبطحوه، هذا فعلهم مع الكماة الذين وردوا المنايا تبرعًا، وشربوا كؤوسها تطوعًا، وسعوا إلى الموت الزؤام سعيًا، وحسبوا طعم الحمام أريًا، والكفاة الذين استحقروا الأقران فلم يهلهم أمر نحوف، وجالوا في ميادين المناضلة واخترقوا الصفوف، وتجالدوا لدى المجادلة بقواطع السيوف (?).
فكان لزامًا على كل منابر الدعوة إلى الله أن تتصدى لهذه الحملات التي تسعى بكل طاقاتها إلى إطفاء نور الله تعالى: {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8)} [الصف: 8].
وها نحن ومن هذا المنطلق قد انبرينا وشمَّرنا وجاهدنا للصد عن حياض هذا الدين العظيم. ليحيا من حيَّ عن بينة ويهلك من هلك عن بينة، فوحَّدنا الجهود والطاقات، وضننَّا بالأنفاس واللحظات؛ لجمع موسوعة هي بحق منتهى الغايات، جمعت بين دفتيها أقوى ما يدعيه المخالفون من المتشابهات والمتناقضات والأغلوطات فيما أعلم، والرد عليها من كل الوجوه التي وقفنا عليها بشتى المسكتات: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ (45)} [الأنعام: 45].
والله تعالى من حكمته يقيض في كل حقبة من الزمان حراسا لشريعته يذبون عنها كل باطل ودخيل، فلم يخل زمن من المجرمين ويسلط الله عليهم المؤمنين، فلما قام المبتدعة