مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)} [فاطر: 2].
ولا ضيق مع رحمة الله، إنما الضيق في إمساكها عنه، لا ضيق مع رحمة الله ولو كان صاحبها في غياهب السجن، أو في جحيم العذاب، أو في شعيب الهلاك.
ولا سعة في إمساكها عن الإنسان، ولو تقلب في أعطاف النعيم، ورفل في مراتع الرخاء بين الأنهار والقصور، وذوات الخدور.
فمن داخل النفس برحمة الله تتفجر ينابيع السعادة والطمأنينة والرضى، ومن داخل النفس مع إمساكها تدب عقارب القلق والنكد، والتعب والنصب.
هذا الباب وحده يفتح، وتغلق جميع الأبواب، فلا عليك فهو السرور والرخاء، والفرج واليسر.
وهذا الباب وحده يغلق، وتفتح جميع أبواب الدنيا والنعيم، فما هو بنافع، ولا عليك فهو الكرب والضيق، والشدة والقلق.
الصحة والقوة، والجاه والسلطان، والمال والولد، كلها تكون مصادر قلق وتعب ونكد إذا أمسكت عنها رحمة الله، فإذا فتح الله أبواب رحمته كان فيها السكن والراحة والسعادة والطمأنينة.
يهب الله الصحة والقوة مع رحمته فإذا هي نعمة وحياة طيبة، والتذاذ بالحياة، ويمسك رحمته فإذا الصحة والقوة بلاء يسلطه الله على الصحيح القوي، فينفق الصحة والقوة فيما يحطم الجسم، ويفسد الروح، ويدخر السوء ليوم الحساب.
ويعطي الله الجاه والسلطان مع رحمته فإذا هي أداة إصلاح، ومصدر أمن، ووسيلة للأجر.
ويمسك الله رحمته فإذا الجاه والسلطان مصدر قلق على قوتهما، مصدر بغي وطغيان، ومثار حقد وموجدة على صاحبهما، لا يقر له معهما قرار، ولا يستمتع بجاه ولا سلطان، ويدخر بهما للآخرة رصيداً ضخماً من النار.
ويبسط الله الرزق مع رحمته فإذا هو متاع طيب ورخاء، وإذا هو رغد في الدنيا، وزاد إلى الآخرة، ويمسك عنه رحمته فإذا هو مثار قلق وخوف، وإذا هو مثار