وأن له عطاءً متجدداً كل يوم، بل كل ساعة، بل كل لحظة، حتى لا يحس البشر أن الله سبحانه خلق هذا الكون العظيم، ثم تركه بعد ذلك يعمل بالأسباب وحدها.
بل لا بد مع السنن الكونية التي خلقها الله، وسير بها هذا الكون، وجعلها تعمل بأمره، لا بد مع ذلك من ظهور قدرة الله التي تكشف وتعطي وتمنح، وتذكر الناس بأن الله ينصر الضعيف على القوي، والمظلوم على الظالم، حتى لا يستشري الفساد في الأرض، وحتى لا يتعلق الناس بالأسباب من دون الله.
فلله سنة، وله قدرة، وهذه القدرة لا تظهر إلا حين لا تكون فئة من المؤمنين تجاهد في سبيل الحق.
فإن كانت هذه الفئة موجودة، فإن الله يبارك في عملها، وينصرها حسب سنته في نصر أوليائه بالأسباب المعلومة من الإيمان والتقوى والإعداد حسب الاستطاعة.
أما إذا لم تكن هذه الفئة موجودة، فإن يد القدرة تأخذه أخذاً مباشراً، لتنزع ظالماً من قوته وسلطان ظلمه، أو تزيح جباراً في الأرض، فتنزعه من أسباب جبروته، أو تهلك عدواً ظالماً طاغياً، وتريح الناس من شره وطغيانه كما قال سبحانه: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40)} [العنكبوت: 40].
ذلك أن الله تبارك وتعالى خلق الدنيا، وخلق لها السنن والأسباب لتعمل بها بأمر الله وإذنه، فإذا حدث شيء عن طريق الأسباب كأن انتصر قوي على ضعيف، أو تمكن ظالم من مظلوم، أو ساد ذو جاه أو ذو قوة، أو ذو مال، فهذا باب السببية الذي تسير عليه الحياة في عمومها، والذي نشترك فيه جميعاً.
فالإنسان مثلاً لكي يحصل على المال يجب أن يعمل، فإذا عمل وأخذ الأجرة، فهذا شيء عادي لا يثير العجب.