والعبد يدعوه إلى عبادة الله داعي الشكر، وداعي العلم بربه وآياته ومخلوقاته، وقد جبلت النفوس على حب من أحسن إليها، وتعظيم وإجلال من هو أكبر منها.
والله عزَّ وجلَّ هو المنعم المحسن إلى جميع خلقه، فما بالعباد من نعمة فمنه وحده لا شريك له: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53)} [النحل: 53].
وأفضل النعم وأجلها وأعظمها نعمة الإيمان والأعمال الصالحة.
وما يصيب الإنسان نوعان:
إن كان يَسُرهُ فهو نعمة بينة كالإيمان والأعمال الصالحة، والأهل والأموال والأولاد ونحوها.
وإن كان يسوؤه فهو نعمة خفية كالمصائب والآلام، يكفر الله بها خطاياه، ويرفع بها درجاته، ويثاب بالصبر عليها، وفيها حكمة ورحمة لا يعلمها العبد.
والنعمتان كلاهما إحسان من الله، وتحتاجان مع الشكر إلى الصبر، أما الضراء فظاهر، وأما نعمة السراء فتحتاج إلى الصبر على الطاعة فيها.
لكن لما كان في السراء اللذة ومن الضراء الألم اشتهر ذكر الشكر في السراء، والصبر في الضراء، والله منعم بهذا كله، وإن كان لا يظهر ابتداءً لأكثر الناس، فإن الله يعلم وأنتم لا تعلمون.
وذنوب الإنسان من نفسه، ومع هذا فهي مع حسن العاقبة نعمة، وهي نعمة على غيره كذلك لما يحصل بها من الاعتبار: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)} [النساء: 19].
ولا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيراً له، فإذا قضى الله بأن يحسن فهو مما يسره، وإذا قضى له بسيئة فهو إنما يستحق العقوبة إذا لم يتب.
فإن تاب أبدلت حسنة، فيشكر عليها، وإن لم يتب ابتلي بمصائب تكفرها، فيصبر عليها، فيكون ذلك خيراً له.