من اليأس الكافر في الشدة كما يعصمها من البطر الفاجر في الرخاء.
وهو الذي يقيم القلب البشري على سواء في البأساء والنعماء، ويربطه بالله في حاليه.
فلا يتعالى ويتنفج عندما تغمره النعماء .. ولا يتهاوى ويتهافت تحت مطارق البأساء .. بل يشكر عند السراء .. ويصبر عند الضراء .. وفي كل خير.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْراً لَهُ وَإِنْ أصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْراً لَهُ» أخرجه مسلم (?).
إن الإيمان الحقيقي يجعل الفرد أمة يقف لأعتى أمة.
فهذا هود - صلى الله عليه وسلم - بعد أن نصح لقوم عاد، ودعاهم إلى الله فلم يؤمنوا، وقف في وجوههم في حسم كامل، وفي تحدّ بين، وفي استعلاء بالحق الذي معه، وثقة بربه الذي آمن به، فقال بعد إصرار قومه على الكفر: {قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)} [هود: 54 - 56].
فنواصي جميع الخلق بيده، فلا تتحرك دابة ولا تسكن إلا بإذنه، فلو اجتمعتم كلكم على الإيقاع بي، والله لم يسلطكم علي لم تقدروا، فإن سلطكم فلحكمة أرادها.
إن أصحاب الدعوة إلى الله، وأهل الإيمان في كل زمان ومكان، في حاجة أن يقفوا طويلاً أمام هذا المشهد الباهر العزيز، رجل واحد لم يؤمن معه إلا القليل، يواجه أعتى أهل الأرض، وأغنى أهل الأرض، وأكثر أهل الأرض حضارة، وأشدهم قوة: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ