فمتى يترفع المسلم عن هذا الخلط والتناقض والعبث: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)} [الصف: 2، 3].
إن العبودية لله هي حقيقة الإيمان، وهي في الوقت ذاته أعلى مقام يبلغه الإنسان بتوفيق الله له، وإنه لمقام كريم يرتفع إليه الإنسان في هذه الحياة وبعد الممات.
إن العبودية لله وحده هي العاصم من العبودية للهوى، والعاصم من العبودية للعباد.
وما يرتفع الإنسان إلى أعلى مقام مقدر له إلا حين يعتصم من العبودية لهواه كما يعتصم من العبودية لسواه.
إن الذين يستنكفون أن يكونوا عبيداً لله وحده يقعون من فورهم ضحايا لأحط العبوديات الأخرى.
يقعون فوراً عبيداً لهواهم وشهواتهم، فيفقدون من فورهم إرادتهم الضابطة التي خص الله بها نوع الإنسان من بين سائر الأنواع.
وينحدرون في سلم الدواب، وإذا هم كالأنعام بل هم أضل، وإذا هم أسفل سافلين، بعد أن كانوا بشراً مكرمين.
وكذلك يقعون في شر العبوديات الأخرى وأحطها، يقعون في عبودية العبيد من أمثالهم، يصرفون حياتهم وفق هواهم.
ومن أضل ممن عرض عليه الهدى الموصل إلى الله وإلى دار كرامته فلم يلتفت إليه، ودعاه هداه إلى الطرق الموصلة للهلاك والشقاء فاتبعه وترك الهدى؟.
ومن أظلم ممن جاءهم الهدى فرفضوه، وعرض لهم الهوى فاتبعوه، وسدوا على أنفسهم أبواب الهداية، وفتحوا عليهم أبواب الغواية؟.
{فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)} [القصص: 50].
إن الإيمان الحقيقي المتمثل في العمل الصالح هو الذي يعصم النفس البشرية