ولذلك شرح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكبر بآفتين في قوله: «الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ» أخرجه مسلم (?).
فكل من رد الحق وهو يعرفه، وأنف أن يخضع لله ويتواضع له بطاعته واتباع رسله فقد تكبر عن الحق فيما بينه وبين الله تعالى ورسله.
وكل من رأى أنه خير من أخيه، واحتقره وازدراه، ونظر إليه بعين الاستصغار، ورد ما قاله من الحق فقد تكبر فيما بينه وبين الخلق.
وأما ما يتكبر به الناس، فإنه لا يتكبر إلا من استعظم نفسه، ولا يستعظمها إلا وهو يعتقد لها صفة من صفات الكمال.
وجماع ذلك يرجع إلى كمال ديني أو دنيوي.
فالديني هو العلم والعمل.
والدنيوي هو الرئاسة، والنسب، والجمال، والمال، والقوة.
فهذه سبعة أسباب.
فأما العلم فما أسرع الكبر إلى العلماء إذا قل عملهم، فلا يلبث العالم أن يتعزز بعلمه، فيستعظم نفسه، ويستحقر الناس، وينظر إليهم نَظَرَه إلى البهائم، ويستجهلهم، ويتوقع منهم أن يخدموه، ويستخدمهم وكأنهم عبيده وأجراؤه.
ويرى نفسه عند الله أفضل منهم، فيخاف عليهم أكثر مما يخاف على نفسه، ويرجو لنفسه أكثر مما يرجو لهم، وهل هذا إلا عين الجهل والسفه في صورة العلم.
والعلم الحقيقي: هو الذي يعرف به الإنسان نفسه وربه، ويزيده خضوعاً وخشوعاً وتواضعاً لربه، ويرى أن الناس خير منه، لعظم حجة الله عليه بالعلم، وتقصيره عن القيام بشكر نعمة العلم.
فالعلم من أعظم ما يتكبر به ولذلك قال الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ