والمقرون بالتوبة كقوله سبحانه: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3)} [هود: 3].
فالاستغفار يتضمن التوبة .. والتوبة تتضمن الاستغفار .. وكل منهما يتضمن الآخر عند الإطلاق.
وأما عند الاقتران: فالاستغفار طلب وقاية شر ما مضى .. والتوبة الرجوع وطلب وقاية شر ما يخافه العبد في المستقبل من سيئات أعماله.
فالاستغفار من باب إزالة الضرر، والتوبة طلب جلب المنفعة، والله سبحانه لم يجعل شيئاً يحبط جميع الحسنات إلا الكفر كما قال سبحانه: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5)} [المائدة: 5].
وكذلك لم يجعل الله شيئاً يحبط جميع السيئات إلا التوبة كما قال سبحانه: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)} [الزمر: 53].
وإذا خرج العبد عما خلق له من الطاعة والعبودية فقد خرج إلى أحب الأشياء إليه، وعن الغاية التي خلقت من أجلها الخليقة، وصار كأنه خلق عبثاً لغير شيء.
فإذا رجع إلى ما خلق له وأوجد من أجله فقد رجع إلى الغاية التي هي أحب الأشياء إلى خالقه وفاطره، ورجع إلى مقتضى الحكمة التي خلق لأجلها، وخرج عن معنى العبث والسدى والباطل.
فاشتدت محبة الله له، فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، وأوجبت هذه المحبة فرحاً عظيماً كأعظم ما يقدر من الفرح كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لَلَّهُ أشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ، حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِنْ أحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأرْضِ فَلاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ، وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأيِسَ مِنْهَا، فَأتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا، قَدْ أيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ