قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68)} [النساء: 66 - 68].
وقال تعالى: {أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74)} [المائدة: 74].
العارف بالله من يعظم ربه أمام الناس ليعظموه، ويكبره أمامهم ليكبروه، فإذا عظموه عظموا كلامه، وعظموا أوامره، فأطاعوه وتجنبوا معاصيه.
وكذلك يحبب الله لخلقه بذكر آلائه وإنعامه وإحسانه، وصفات كماله، ونعوت جلاله، فالقلوب مفطورة على حب من أحسن إليها، فإذا ذكرت آلاء الله وإنعامه تعلقت بحبه، وهان عليها ترك الذنوب، وترك الإصرار عليها، ونشطت وتلذذت بطاعته.
فالعارف لا يأمر الناس بترك الدنيا، فإنهم لا يقدرون على تركها لأول وهلة، ولكن يأمرهم بترك الذنوب مع إقامتهم على دنياهم؛ لأن ترك الدنيا فضيلة، وترك الذنوب فريضة، فلا يؤمر بالفضيلة من لم يقم بالفريضة.
وترك الدنيا التي تشغل العبد عن الله صعب على النفوس، فإن الفطام عن الثدي الذي ما عقل الإنسان نفسه إلا وهو يرتضع منه شديد.
وليس المراد ترك أسباب الكسب، فإن الدنيا دار الأسباب الدنيوية والأخروية، وإنما المراد التقلل منها، والأخذ منها بقدر الحاجة، وإنفاق ما سوى ذلك في مرضاة الله.
فمن قوي على مرارة الفطام فذلك خير، وإلا فليرتضع بقدر حتى يأذن الله له بمعرفة الباقي من الفاني فيؤثره.
ويهون على العبد ترك الذنوب والمعاصي إذا علم أن في تركها مرضاة الرب .. ومحبة الرب .. ومحبة الخلق .. وصلاح المعاش .. وراحة البدن .. وقوة القلب ..