وأنهم يملكون سلطان المال والإعلام، وأنهم يستذلون بعض عباد الله، ويطردونهم من أرضهم وديارهم في وحشية، والدول الضالة تساندهم، فليس هذا بناقض لوعيد الله ولا لما كتبه عليهم.
فهم بظلمهم وأفعالهم وصفاتهم السيئة يختزنون النقمة في قلوب البشر، ويهيئون الرصيد الذي يدمرهم من السخط والغضب.
غير أن هذه حالة لا تدوم، إنها فترة غيبوبة المسلمين عن سلاحهم الوحيد، فإذا عادوا إلى ربهم ردوا هؤلاء إلى الذلة التي كتبها الله عليهم.
أما الذين يعملون السيئات، ثم يتوبون إلى الله، فإن الله يتوب عليهم، ويغفر لهم، وهذه سنة الله في كل زمان ومكان: {وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153)} ... [الأعراف: 153].
وما أكثر الذين يعطون علم دين الله ثم لا يهتدون به، إنما يتخذون هذا العلم وسيلة لتحريف الكلم عن مواضعه، واتباع الهوى به.
وكم من عالم يعلم حقيقة دين الله ثم يزيغ عنها، ويعلن غيرها، ويستخدم علمه في التحريفات المقصودة، والفتاوي المطلوبة لسلطان الأرض الزائل.
وما أكثر ما يتكرر هذا النوع من علماء البشر، يعطيه الله نعمة العلم ثم ينسلخ من آيات الله، ويخلد إلى الأرض، ويتبع الهوى، فيستند له الشيطان، ويلهث وراء الحطام الذي يملكه أصحاب الجاه والسلطان.
فليحذر العبد أن يوقعه الشيطان في حبائله فيهلك: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175)} [الأعراف: 175].
إنه مثل لكل من آتاه الله علماً فلم ينتفع بهذا العلم، ولم يستقم على طريق الإيمان، وانسلخ من نعمة الله، ليصبح تابعاً ذليلاً للشيطان، ولينتهي إلى المسخ في مرتبة الحيوان، يلهث وراء أعراض هذه الحياة الدنيا مقبلاً ومدبراً.
يلهث، سواء وعظته أم لم تعظه، يلهث وراء هذا المطمع لهاثاً لا ينقطع حتى يفارق هذه الحياة الدنيا إلى نار جهنم.