بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (47)} [هود: 47].
ومشهد إبراهيم خليل الرحمن - صلى الله عليه وسلم - إذ قال: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35)} [إبراهيم: 35].
ومشهد موسى - صلى الله عليه وسلم - إذ قال: {رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155)} [الأعراف: 155].
ومشهد ذي النون يونس - صلى الله عليه وسلم - إذ قال عنه ربه: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)} [الأنبياء: 87].
ومشهد سيد الأنبياء والرسل محمد - صلى الله عليه وسلم - إذ يقول في دعائه: «اللَّهُمَّ أنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا أنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأنَا عَبْدُكَ، وَأنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أنْتَ» أخرجه البخاري (?).
فالعارف يسير إلى ربه بين شهود المنة من الله، ومطالعة عيب النفس والعمل.
فشهود المنَّة يوجب له المحبة لربه سبحانه، وحمده والثناء عليه، ومطالعة عيب النفس والعمل يوجب استغفاره، ودوام توبته، وتضرعه لربه.
ثم أصحاب هذا المشهد فيه قسمان:
أحدهما: من يشهد تسليط عدوه عليه، وإفساده إياه، وكبحه إياه بلجام الشهوة، فهو أسير معه، وهو مع ذلك ملتفت إلى ربه ومولاه، عالم بأن نجاته بيده سبحانه، وناصيته بين يديه، وأنه لو شاء طرده عنه، وخلصه من يديه، ولم يعبأ به.
فكلما قاده عدوه وكبحه بلجامه أكثر الإلتفات إلى وليه وناصره وتضرع إليه، وتذلل بين يديه، وكلما أراد البعد عن بابه تذكر عطفه وبره سبحانه، وتذكر جوده