وليعلم العبد سعة حلمه وكرمه في ستره عليه، فإنه لو شاء لعاجله على الذنب، ولهتكه بين عباده، فلم يصف له معهم عيش.
وليعلم أنه لا طريق إلى الجنة إلا بعفو ربه ومغفرته، وتعريفه كرمه في قبول توبته، ومغفرته له على ظلمه وإساءته، وإقامة الحجة عليه، فإن عذبه فَبِعَدْله، وإن أكرمه فبفضله.
ولأجل أن يعامل الناس عند إساءتهم إليه بما يجب أن يعامله الله به.
وأن يخلع سبحانه صولة الطاعة والإحسان من قلب عبده، فتتبدل برقة ورأفة ورحمة، وأن يعرى عبده من داء العجب بعلمه وعمله، وأن يعريه من لباس الكبر، ويلبسه لباس الذل الذي لا يليق بالعبد سواه.
وأن يستخرج من قلبه عبوديته بالخوف والخشية وتوابعهما من البكاء والإشفاق والندم.
وأن يعرف العبد مقداره مع معافاته، وفضله سبحانه في توفيقه وعصمته، فمن تربى في العافية لا يعرف ما يقاسيه المبتلى، ولا يعرف مقدار العافية.
وأن يستخرج من عبده محبته وشكره لربه إذا تاب إليه ورجع إليه.
والعبد إذا شهد إساءته وظلمه استكثر القليل من نعمة الله عليه، لعلمه بأن الواصل إليه منها كثير على مسييء مثله، فهو دائماً مستقل لعمله كائناً ما كان.
والذنب يوجب للعبد اليقظة والحذر من مصايد عدوه ومكايده.
وقد تكون في القلب أمراض مزمنة لا يشعر بها فيطلب دواءها، فيمنّ الله عليه، ويقضي عليه بذنب ظاهر فيجد ألم مرضه، فيحتمي ويشرب الدواء النافع فتزول تلك الأمراض التي لم يكن يشعر بها.
وبالذنب يذيقه ألم الحجاب والبعد بارتكاب الذنب، ليكمل له نعمته وفرحه وسروره إذا أقبل بقلبه إليه، وأقامه في طاعته، فتكون لذته بذلك بعد أن صدر منه ما صدر بمنزلة التذاذ الظمآن بالماء العذب الزلال، وأن لطف الرب وبره وإحسانه بعبده ليبلغ أكثر من هذا.