وهو كذلك مشهد إبليس الذي انتهى إليه حين قال ربه: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40)} [الحجر: 39،40].
الثالث: مشهد الطبيعة البشرية.
وعند هؤلاء أن الإنسان العاقل متى كان له وازع من نفسه لم يحتج إلى أمر غيره ونهيه: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)} [القصص: 50].
الرابع: مشهد الفعل الكسببي القائم بالعبد فقط.
فلا يشهد إلا صدوره عنه، وقيامه به، ولا يشهد مع ذلك مشيئة الرب له، ولا جريان حكمه القدري به، ولا عزة الرب في قضائه ونفوذ أمره في خلقه.
فهذا المشهد وإن كان صحيحاً نافعاً له، حيث يرى الذنب والعيب من نفسه وأنه مستحق للعقوبة والنكال، وأن الله سبحانه إن عاقبه فهو العادل فيه، وأنه هو الظالم لنفسه، وهذا كله حق لا ريب فيه، لكن صاحبه ضعيف مغلوب على نفسه غير معان عليها، بل هو معها كالمقهور المخذول.
فإنه لم يشهد عزة ربه في قضائه وقدره، ونفوذ أمره الكوني ومشيئته، وأنه لو شاء لعصمه وحفظه، وأنه لا معصوم إلا من عصمه الله، ولا محفوظ إلا من حفظه.
ولم يشهد أنه هو محل جريان أقضيته وأقداره سبحانه، مسوق إليها في سلسلة إرادته وشهوته، وأن تلك السلسلة طرفها بيد غيره، فهو سبحانه القادر على سوقه فيها إلى ما فيه صلاحه وفلاحه، وإلى ما فيه هلاكه وشقاؤه.
فهو لغيبته عن هذا المشهد، وغلبة شهود المعصية والكسب على قلبه لا يعطي التوحيد حقه، ولا الاستغاثة بربه، ولا الافتقار إليه حقه.
فهو سبحانه خالق كل شيء، ورب كل شيء، لا ملجأ منه إلا إليه ..
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اللَّهُمَّ أعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ،