{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156)} [الأعراف: 156].
والرحمة سبب واصل بين الله وبين عباده، بها أرسل إليهم رسله .. وأنزل عليهم كتبه .. وبها هداهم .. وبها يسكنهم دار ثوابه .. وبها رزقهم وعافاهم وأنعم عليهم.
والله تبارك وتعالى هو الرحمن وحده، العطوف على العباد بالإيجاد أولاً، وبالإمداد ثانياً، وبالهداية إلى الإيمان ثالثاً، وبالإسعاد في الآخرة رابعاً، وبالإنعام بالنظر إلى وجهه خامساً، وبسماع كلامه سادساً، وبرضوانه سابعاً.
والرحمة صفة تقتضي إيصال المنافع والمصالح إلى العبد، وإن كرهتها نفسه وشقت عليها، فهذه هي الرحمة الحقيقية.
فأرحم الناس من شق عليك في إيصال المصالح إليك، ودفع المضار عنك، فمن رحمة الأب بولده أن يكرهه على التأدب بالعلم والعمل، وحسن الخلق، ويشق عليه في ذلك بالضرب وغيره، ويمنعه شهواته التي تعود بضرره، ومتى أهمل الأب ذلك كان لقلة رحمته به، وإن ظن أنه يرحمه ويرفهه، فهذه رحمة مقرونة بجهل.
ولهذا كان من تمام رحمة أرحم الراحمين تسليط أنواع البلاء على الإنسان خاصة المؤمن، وأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، فابتلاء الله له، وامتحانه، ومنعه من كثير من أغراضه وشهواته من كمال رحمته به.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ» أخرجه الترمذي وابن ماجه (?).