قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «تَرَى الْمُؤْمِنِينَ: فِي تَرَاحُمِهِمْ، وَتَوَادِّهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْواً، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» متفق عليه (?).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» متفق عليه (?).
هذه معاملتهم مع الخلق.
وأما معاملتهم مع الخالق فإنك: {تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح: 29].
فهذا دأبهم مع الخالق والمخلوق: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)} [السجدة: 16،17].
قد أثرت العبادة من كثرتها وحسنها في وجوههم حتى استنارت، ولما استنارت بالصلاة بواطنهم، استنارت بالجلال ظواهرهم.
والقلب إذا أشرق فيه نور الإيمان واليقين بالوعد، وامتلأ من محبة الله وإجلاله، رق وصارت فيه الرأفة والرحمة.
فتراه رحيماً رقيق القلب بكل ذي قربى، وبكل مسلم، وبكل مخلوق، يرحم الطير في وكره، والنملة في جحرها، فضلاً عن بني جنسه، فهذا أقرب القلوب من الله.
والله عزَّ وجلَّ إذا أراد أن يرحم عبداً أسكن في قلبه الرأفة والرحمة، وإذا أراد أن يعذبه نزع من قلبه الرحمة والرأفة، فَتَخَلَّق بالغلظة والقسوة، ولا تنزع الرحمة إلا من شقي.
فالدين كله رحمة للعالمين، والرسل إنما بعثوا بالرحمة، وأبو بكر الصديق - رضي الله عنه - إنما فضل الأمة بما كان في قلبه من الرحمة العامة زيادة على الصديقية.
ولهذا أظهر أثرها في جميع مقاماته حتى في فداء الأسرى يوم بدر، واستقر