فتعلم أنك ناقص، وكل ما يأتي من الناقص ناقص يوجب اعتذار العبد منه لا محالة، فعلى العبد أن يعتذر إلى ربه من كل ما يأتي به من خير وشر.
أما الشر فظاهر، وأما الخير فيعتذر من نقصانه أو تأخيره، ولا يراه صالحا لربه، فهو مع إحسانه معتذر وَجِل.
ولذلك مدح الله أولياءه بالوجل كما قال سبحانه: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60)} [المؤمنون: 60].
والحامل للعبد على هذا الاعتذار أمران:
أحدهما: شهود تقصيره في العمل ونقصانه.
الثاني: صدق محبته لربه، فإن المحب الصادق يتقرب إلى محبوبه بغاية إمكانه وهو معتذر إليه، مستح منه، يرى أن قدره فوقه وأجل منه.
ويعلم أن كل ما يصدر منه سبحانه إلى عبده نافع عظيم، وأنه يوجب عليه الشكر، وأنه عاجز عن شكره، ولا يتبين هذا إلا في المحبة الصادقة، فإن المحب يستكثر من محبوبه كل ما يناله منه.
ويعامل الحق سبحانه بمقتضى الاعتذار من كل ما منه، والشكر على كل ما من ربه، وهذا عقد لازم لك أبداً، لا ترى من الوفاء به بداً.
الدرجة الثالثة: الاشتغال بالله عزَّ وجلَّ عن كل ما سواه، فيتقرب إليه بما يحب من الأقوال والأعمال، ويستأنس به، ويستوحش من غيره، ويتلذذ بعبادته ومناجاته، ويقف أمام ربه وقوف العبد العاجز المقصر المحتاج:
معظماً لربه .. حامداً له .. مستعيناً به .. مستغفراً له .. سائلاً له .. معتذراً إليه: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)} [الأنعام: 162،163].
وأصول الأخلاق:
الإخلاص لله في السر والعلانية .. والعدل في الغضب والرضا .. والقصد في الفقر والغنى.