القافلة، من أراد أن يقصر عن الصراط المستقيم، من أراد أن ينسلخ من هذا النسب العريق، فما بالله من حاجة إليه، فهو سبحانه: {هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (68)} [يونس: 68].

وقد جاءت الرسالات الإلهية كلها بوحدانية الله، وخلقه لهذا الوجود، ورعايته وتدبيره لكل كائن في الوجود، ودعوة الخلق إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وإقامة حياتهم على منهج الله.

وإنما جاء الانحراف عن العقيدة الإيمانية من أتباعها، فبدا أنها لم تأت بالتوحيد الخالص، أو لم تأت بهيمنة الله وتدبيره لكل كائن، فهذا كله من التحريف الطارئ لا من أصل الديانة.

فدين الله واحد منذ أول الرسالات إلى خاتمة الرسالات، ويستحيل أن ينزل الله ديناً يخالف هذه القواعد.

لكن الرسالة الخاتمة التي جاء بها محمد - صلى الله عليه وسلم - أوسع وأدق وأشمل وأكمل من كل تصور سابق في الشرائع الإلهية السابقة.

وهذا متفق مع طبيعة الرسالة ومهمتها الأخيرة، ومع الرشد البشري الذي جاءت هذه الرسالة لتخاطبه وتوجهه، وتنشئ فيه هذا التصور الكامل الشامل بكل مقتضياته وفروعه وآثاره؛ ليدرك القلب البشري بمقدار ما يطيق حقيقة الألوهية وعظمتها، ويشعر بالقدرة الإلهية، ويراها في آثارها المشهودة في الكون، ويعيش في مجال هذه القدرة، وبين آثارها التي لا تغيب عن الحس والعقل والإلهام، ويراها محيطة بكل شيء، مهيمنة على كل شيء، مدبرة لكل شيء، حافظة لكل شيء، ولا يندّ عنها شيء، سواء في ذلك القليل والكثير، والصغير والكبير، والجليل والحقير.

وأن يعيش القلب البشري في حساسية مرهفة، وخشية وخوف، وطمع ورجاء، وأن يمضي في الحياة معلقاً في كل حركة وكل خالجة بالله، شاعراً بقدرته

طور بواسطة نورين ميديا © 2015