إن الذي ينهض بالدعوة إلى الله في المجتمعات الجاهلية يجب أن يوطن نفسه على أنه لا يقوم برحلة مريحة، ولا يقوم برحلة مادية قريبة الأجل.
إنما ينبغي له أن يستيقن أنه يواجه طواغيت يملكون القوة والمال، ويملكون استخفاف العامة، ويملكون تأليب الأمة على الدعاة إلى الله باستثارة شهواتها، وتهديدها بأن أصحاب الدعوة إلى الله يريدون حرمانها من هذه الشهوات.
ويجب أن يستيقنوا أن الدعوة إلى الله كثيرة التكاليف، وأنه لن ينضم إليها في أول الأمر الأقوام المستضعفة المستخفة الطائشة، إنما ينضم إليها الصفوة المختارة التي تؤثر حقيقة هذا الدين على الراحة والسلامة.
وهم وإن كانوا قلة فإن الله يفتح بينهم وبين قومهم بالحق بعد جهاد يطول أو يقصر، وعندئذ فقط يدخل الناس في دين الله أفواجاً كما حصل ذلك في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأخبر الله عنه بقوله: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)} [النصر: 1 - 3].
وقد أرسل الله كل رسول بلسان قومه، ليتمكن من إخراج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم، وليبين لهم، وليفهموا عنه، فتتم الغاية من الرسالة.
وعلى الرسول البيان والبلاغ، أما ما يترتب على ذلك من هدى أو ضلال فلا قدرة له عليه، وليس خاضعاً لرغبته، إنما هو من شأن الله الذي وضع الله له سنة {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56)} [القصص: 56].
فمن سار على درب الضلال ضل، ومن سار على درب الهدى وصل، وهذا وذاك يتبع مشيئة الله التي شرعت سنته في الحياة كما قال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4)} [إبراهيم: 4].
والرسول - صلى الله عليه وسلم - دعا قومه إلى الإسلام حتى عم الإسلام الجزيرة العربية، ومن ثم