فيحق وعد الله بنصر رسله وأوليائه مع أعدائه مع قلتهم وقلة عددهم، وكثرة عدوهم وكثرة أسلحتهم فـ: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)} [البقرة: 249].

وهود - صلى الله عليه وسلم - أرسله الله إلى قومه عاد، فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له فقال: {يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50)} [هود: 50].

فأبوا وأصروا على كفرهم، واغتروا بما هم عليه من النعيم، وما وهبهم الله من القوة والبطش والغلظة: {قَالُوا يَاهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53)} [هود: 53].

وبعد هذا لم يبق لهود إلا التحدي وإلا التوجه إلى الله وحده، والاعتماد عليه وحده، وإلا الوعيد والإنذار الأخير للمكذبين الظالمين، فماذا قال لهم؟ وبأي شيء واجه قوتهم؟.

{قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55)} [هود: 54، 55].

وإن الإنسان ليدهش حقاً لرجل فرد يواجه قوماً غلاظاً شداداً حمقى، فيسفه أحلامهم وعقيدتهم، ويقرعهم ويؤنبهم، ثم يهيج ضراوتهم بالتحدي، ولا يطلب مهلة ليستعد استعدادهم، ولا يدعهم يتريثون فيفتأ غضبهم.

إنه لأمر عجيب أن يقتحم هذا الاقتحام رجل فرد على قوم غلاظ شداد، ولكن الدهشة تزول عندما يعلم الإنسان أنه رسول الله، والله معه، والإيمان يملأ قلبه، وإذا كان الله معه فلماذا يخاف البشر؟.

إنه يقول بإيمان الواثق من ربه: {قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55)} [هود: 54، 55].

ثم تجمعوا أنتم وهذه الآلهة التي تزعمون أن أحدها مسني بسوء، ثم كيدوني بلا تريث ولا تمهل، فما أبالي بكم جميعاً: {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015