شريعة غير شريعة الله ما أنزل الله بها من سلطان، وما جعل فيها من سطوة على القلوب، بل كلها عذاب وشقاء وإن لوحت بما تحبه النفوس، لذلك تستهين القلوب بالشرائع والقوانين التي يسنها البشر لأنفسهم، ولا تنفذها إلا تحت عين الرقيب، وسيطرة الجلاد القاسي، فأما شريعة الله فالقلوب تخضع لها، ولها في النفوس مهابة وخشية، وقد أرسل الله الأنبياء والرسل إلى أممهم يدعونهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ويبشرونهم بما أعد الله للمؤمنين الطائعين من نعيم ورضوان، وينذرونهم ما أعده الله للكافرين والعصاة من جحيم وغضب: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165)} [النساء: 165].
وكل الأنبياء تلقوا الوحي من الله، وكلهم جاءوا بوحي واحد لهدف واحد: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163)} [النساء: 163].
فهو موكب واحد يضم هذه الصفوة المختارة من بني البشر، موكب من الأنبياء والرسل من شتى الأقوام والأجناس، وشتى البقاع والأرضين، في شتى الأوقات والأزمان.
لا يفرقهم نسب ولا جنس، ولا أرض ولا وطن، ولا لغة ولا لون، ولا وقت ولا زمن.
كلهم آت من ذلك المصدر الكريم، وكلهم يحمل ذلك النور الهادي، وكلهم يؤدي الإنذار والتبشير، وكلهم أرسله الله رحمة بالعباد، ليأخذ بزمام القافلة البشرية إلى ذلك النور.
سواء منهم من جاء لعشيرة، ومن جاء لقوم، ومن جاء لمدينة، ومن جاء لقطر، ثم من جاء للناس أجمعين وهو محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاتم الأنبياء، وسيد المرسلين: {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (9)} [الحديد: 9].