إلا وقد ذكر للأمة منه علماً، بل علمهم أحكام كل شيء، ولم يحوجهم الله إلى أحد سواه، وشريعته كاملة، ما طرق العالم شريعة أكمل منها في بيان كل شيء.

فيجب على كل إنسان الإيمان بعموم رسالته في ذلك، كما يجب الإيمان بعموم رسالته بالنسبة إلى المكلفين عربهم وعجمهم، وإنسهم وجنهم.

فكما لا يخرج أحد من الناس عن رسالته البتة، فكذلك لا يخرج حق من العلم والعمل عما جاء به.

ومن ظن أن شريعته ناقصة تحتاج إلى من يكملها فهو كمن ظن أن الناس بحاجة إلى رسول آخر بعده، وسبب هذا كله خفاء ما جاء به على من ظن ذلك، فقد جاء - صلى الله عليه وسلم - بخير الدنيا والآخرة بحذافيره، ولم يجعل الله بهم حاجة لأحد سواه.

ولهذا ختم الله به ديوان النبوة، فلم يجعل الله بعده رسولاً؛ لاستغناء الأمة به عمن سواه، فصلوات الله وسلامه عليه.

ومن فضل الله ورحمته وإحسانه إلى هذه الأمة أن جعلهم خير أمة أخرجت للناس، وجعل الرسالة فيهم، واختار أفضل الرسل منهم كما قال سبحانه: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)} [الجمعة: 2].

فالذي يتلوه عليهم هو الحق، وما أعظم فضل الله حين يخاطب الله العبيد بكلامه، يتلوه عليهم رسوله: {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (65)} [الحج: 65].

ولولا فضل الله ورحمته ما زكى من الخلق أحد، ولا تطهر ولا ارتفع، ولكن العزيز الكريم أرسل رسوله - صلى الله عليه وسلم - يطهر أرواح الناس من لوثة الشرك، ودنس الجاهلية، ويطهرهم من لوثة الشهوات والنزوات، فلا ترتكس أرواحهم في حمأة الرذيلة، ويطهر حياتهم بما جاء به من الدين من الظلم والبغي، ويطهر مجتمعهم من الربا والسحت والغش والسلب، وينشر فيهم العدل والإحسان.

ويعلمهم الكتاب والحكمة الذي به قوام حياتهم وعزتهم، وهو مادة التوجيه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015