الثانية: أن يكون له علم وحلم ووقار وسكينة.
الثالثة: أن يكون قوياً على ما هو فيه، وعلى معرفته.
الرابعة: الكفاية وإلا مضغه الناس.
الخامسة: معرفة الناس وأحوالهم.
فهذه دعائم الفتوى، وأي شيء نقص منها ظهر الخلل في المفتي بحسبه.
والفرق بين النصيحة والفتوى، أن الناصح مفتٍ وزيادة، والمفتي يبين الحكم وقد لا يعطي ترغيباً ولا ترهيباً، لكن الناصح يعطي الحكم ويرغب أو يرهب.
والإفتاء منصب عظيم في الدين فمن آتاه الله علماً فعلمه مخلصاً يبتغي به وجه الله نشر الله به السنن، وأمات به البدع، ونور الله به قلوب العباد.
ومن ارتقى إليه بغير علم، وتسلق جداره بغير فقه، فقد ضل وأضل، وهلك وأهلك غيره، وقال على الله غير الحق.
قال الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)} [الإسراء: 36].
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْساً، فَسَألَ عَنْ أعْلَمِ أهْلِ الأرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ، فَأتَاهُ فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْساً، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: لا، فَقَتَلَهُ، فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً، ثُمَّ سَألَ عَنْ أعْلَمِ أهْلِ الأرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ، فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ؟ انْطَلِقْ إِلَى أرْضِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّ بِهَا أنَاساً يَعْبُدُونَ اللهَ فَاعْبُدِ اللهَ مَعَهُمْ، وَلا تَرْجِعْ إِلَى أرْضِكَ فَإِنَّهَا أرْضُ سَوْءٍ، فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أتَاهُ الْمَوْتُ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلائِكَةُ الْعَذَابِ، فَقَالَتْ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ، جَاءَ تَائِباً مُقْبِلاً بِقَلْبِهِ إِلَى اللهِ، وَقَالَتْ مَلائِكَةُ الْعَذَابِ، إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْراً قَطُّ، فَأتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ، فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الأرْضَيْنِ، فَإِلَى أيَّتِهِمَا كَانَ أدْنَى، فَهُوَ لَهُ، فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أدْنَى إِلَى الأرْضِ