من المطاعم والملابس ما لم يحرم على غيرهم، وأمروا من الشدة والقوة بما أمروا به، وغالب معاصيهم من باب القسوة والشدة والظلم لا من باب الشهوة.

والنصارى فيهم الرحمة واللين، ولهذا أضعفت فيهم القوة الغضبية، فنهوا عن الانتقام والانتصار، ولم تضعف فيهم القوة الشهوية، فلم يحرم عليهم من المطاعم ما حرم على من قبلهم، بل أحل لهم بعض الذي حرم على من قبلهم.

وظهر في النصارى من الأكل والشرب والشهوات ما لم يظهر في اليهود، وفيهم من الرأفة والرحمة والرقة ما ليس في اليهود.

وغالب معاصيهم من باب الشهوات لا من باب الغضب.

والطبيعة البشرية كلما التوت وانحرفت عن التوحيد والطاعات، إلى الشرك والمعاصي، تحتاج إلى رادع وزاجر يزجرها عما يهلكها، ويردها إلى بارئها.

فطبيعة بني إسرائيل بعدما أفسدها طول الذل والعبودية لفرعون، أرسل الله موسى - صلى الله عليه وسلم - لإنقاذها من عبودية فرعون، الذي كان من المفسدين، إلى عبودية رب العالمين.

فجاءت كل الأوامر من الله لبني إسرائيل مصحوبة بالتشديد والتوكيد تربيةً لهذه الطبيعة التي ارتخت والتوت، وانحرفت عن الاستقامة والجد كما قال سبحانه عن موسى - صلى الله عليه وسلم -: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145)} [الأعراف: 145].

ومثل طبيعة بني إسرائيل، كل طبيعة تعرضت لمثل ما تعرضوا له من طول العبودية والذل لغير الله من الطغاة، فبدت عليها أعراض الالتواء والاحتيال، والأخذ بالأسهل تجنبًا للمشقة، كما هو ملحوظ في واقع كثير من الجماعات البشرية في زماننا هذا، والتي تهرب من العقيدة، لتهرب من تكاليفها، وتسير سائمة هائمة مع القطعان الضالة، لأن السير معها لا يكلفها شيئًا.

إن هذا الإنسان عجيب في خلقه .. عجيب في فكره .. عجيب في أعماله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015