بما ركب في فطرته من استعداد للخير والشر، وبما وهبه من عقل راجح، وبما أمده من التذكير والتحذير، والتبشير والإنذار على أيدي الرسل، فيختار الهداية أو الضلال، وتحق عليه سنة الله، وتحقق مشيئة الله بالابتلاء، سواء اهتدى أو ضلَّ.
وحين أسكن الله آدم وزوجه الجنة حذرهما من الشيطان بقوله: {فَقُلْنَا يَاآدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117)} [طه: 117].
وبعد أن كشف إبليس عن عداوته لآدم وذريته، وما أبطنه من الكيد لهم، أعلن الله عن طرد إبليس طردًا لا معقب له، وأوعده ومن تبعه من البشر بملء جهنم منهم: {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18)} [الأعراف: 18].
فأخرج الله الشيطان من الجنة، لأنها دار الطيبين الطاهرين، فلا تليق بأخبث خلق الله وأشرهم وأنجسهم.
فخرج منها صاغرًا ذليلاً مذمومًا مدحورًا، جزاءً على كفره وكبره وعجبه، ويوم القيامة يملأ الله النار بإبليس وأتباعه من الجن والإنس.
ومن يتبع الشيطان من البشر، قد يتبعه في معرفته بالله، واعتقاده بألوهيته، ثم في رفض حكم الله وقضائه في منهج الحياة، وادعاء أن له الحق في رفض حكم الله، وقبوله أو عدم قبوله وفق هواه، كما أنه قد يتبعه ليضله عن الاهتداء إلى الله أصلاً.
لقد جعل الله بحكمته لإبليس وقبيله فرصة الإغواء، وجعل لآدم وذريته فرصة الاختيار للهدى أو الضلال، تحقيقًا للابتلاء الذي قضت مشيئة الله أن تأخذ به هذا الكائن الإنساني، وتجعله به خلقًا منفردًا في خصائصه، لا هو ملك، ولا هو شيطان، لأن له دورًا آخر في هذا الكون، ليس هو دور الملك، ولا هو دور الشيطان.
وبعد طرد الشيطان من الجنة، أمر الله آدم وزوجه أن يسكن الجنة، لتتم بذلك