فنفس الإيمان به، ومحبته وعبادته، وإجلاله وذكره، هو غذاء الإنسان وقوته، وصلاحه وقوامه.
أما من قال إن عبادة الله وذكره وشكره تكليف ومشقة لمجرد الابتلاء والامتحان، أو لأجل مجرد التعويض بالثواب المنفصل، كالمعاوضة بالأثمان، أو لمجرد رياضة النفس وتهذيبها، ليرتفع عن درجة البهيم من الحيوان، فهذا قول من قل نصيبه من العلم والتحقيق، ومن ذوق حقائق الإيمان وحلاوته.
بل عبادته سبحانه ومعرفته وتوحيده وشكره قرة عين الإنسان، وأفضل لذة للروح والقلب والجنان.
وليس المقصود بالعبادات والأوامر المشقة والكلفة بالقصد الأول، وإن وقع ذلك ضمناً وتبعاً في بعضها لأسباب اقتضته لا بدَّ منها.
فأوامره سبحانه، وحقه الذي أوجبه على عباده، وشرائعه التي شرعها لهم، هي قرة العيون، ولذة القلوب، ونعيم الأرواح وسورها، وبها شفاؤها وسعادتها، وفلاحها، وكمالها في معاشها ومعادها كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)} [يونس: 57، 58].
ولم يسم الله عزَّ وجلَّ أوامره ووصاياه وشرائعه تكليفاً، وإنما سماها روحاً ونوراً، وهدى وحياة، ورحمة وشفاء، وعهداً ووصية، ونحو ذلك، وما ذكر في القرآن من ذكر التكليف فإنما ورد في جانب النفي كما قال سبحانه: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286].
وأجل نعيم في الجنة، وأفضله وأعلاه على الإطلاق، هو النظر إلى وجه الرَّب جل جلاله، وسماع خطابه.
فالمؤمنون مع كمال تنعمهم بما أعطاهم ربهم في الجنة، لم يعطهم ربهم شيئاً أحب إليهم من النظر إليه.
وإنما كان ذلك أحب إليهم، لأن ما يحصل لهم به من اللذة والنعيم، والفرح