عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)} [الرحمن: 1 - 4].

وهو سبحانه العليم الذي علم الإنسان ما لم يعلم، علمه أشياء، وزوى عنه أشياء، ونسبة ما يعلمه الإنسان، بل ما تعلمه البشرية كلها إلى ما لا تعلمه كنسبة الذرة إلى الجبل، والقطرة إلى البحر: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)} [الإسراء: 85].

وهو سبحانه: {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)} [العلق: 4، 5].

وإذا كان العبد يعلم أن الله بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير فليتق الله ربه، وليحذر من معصيته حتى لا يتعرض لعقوبته: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235)} [البقرة: 235].

وهو سبحانه عالم الأسرار والخفيات: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (3)} ... [الأنعام: 3].

فمن يستطيع من البشر أن يتخفى من الله بسر أو نية أو حركة. إن القلب الذي يخفي فيه الإنسان النية من خلق الله، وهو سبحانه يعلم دروبه وخفاياه وما فيه، والنية التي يخفيها الإنسان هي كذلك من خلقه، وهو يعلمها، ويعلم أين تكون، والبدن الذي يتحرك بالأفعال هو من خلق الله، يحركه بما شاء، في أي وقت شاء، ويعلم النيات والأفعال والأقوال قبل وقوعها.

فماذا يستر الناس؟، وماذا يخفون؟، وأين يستخفون؟: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7)} [المجادلة: 7].

إن القرآن يسكب هذه الحقائق العظيمة في قلب المؤمن، لأن استقرارها فيه ينشئ له إدراكاً صحيحاً للأمور، ويملأ قلبه بالتعظيم والإجلال للكبير المتعال، ويبعث فيه اليقظة والتقوى لأداء الأمانة التي يحملها المؤمن في هذه الأرض، وذلك لا يتحقق إلا حين يستيقن القلب أنه وما يكمن فيه من سر ونية هو من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015