ولكن الدافع وراء اقتحام العمل لم يكن نفسياً/طبقياً فحسب، بل كانت هناك ضرورات عملية يحتمها واقع الاستعمار الاستيطاني الإحلالي في فلسطين، فالأرض التي هاجر إليها اليهود لم تكن خالية من السكان، ولذا كان يتحتم إجلاؤهم وشَغْل أعمالهم. وقد أدرك المستوطنون منذ البداية أهمية العمل العبري كأساس للاستيطان الإحلالي، فاستئجار العمال العرب كان يعني أن المُستوطَن الصهيوني سيظل معتمداً على العرب غير مستقل عنهم، كما أنه في نهاية الأمر سيجعل تحقيق أغلبية يهودية أمراً مستحيلاً. ولذا، لم يكن هناك مفر من إحلال العامل اليهودي محل العامل العربي، وكان خلق وظائف جديدة للمهاجرين الجدد أمراً حتمياً، وهو أمر كان من العسير تحقيقه دون اللجوء إلى اقتحام العمل.
وقد قاوم بعض المستوطنين هذا المفهوم الصهيوني العمالي لتَناقُضه مع مصالحهم الاقتصادية، فالرأسمالي اليهودي كان يفضل العامل العربي الكفء قليل التكلفة على العامل العبري غير الكفء مرتفع التكلفة. وقد قام الصهاينة العماليون بتنظيم إضرابات عديدة ضد الرأسماليين اليهود الذين لا يحافظون على نقاء أو طهارة المُستوطَن، إلا أن الصهاينة العماليين كانوا مع هذا يؤكدون أن غزو الأرض لم يكن يتم لحساب الطبقة العاملة اليهودية وحدها وإنما لحساب الشعب اليهودي ككل وأن التناقض بينهم وبين الرأسماليين لم يكن ينصب إلا على نقطة جزئية خاصة بإصرار الفريق الآخر على استئجار العمل العربي.
وكمحاولة لحل هذا التناقض، لجأ المستوطنون إلى استيراد بعض اليهود الشرقيين من اليمن، فالعامل اليمني كان عاملاً عبرياً (مقدَّساً) يُرضي المطامع الإحلالية لدى الصهاينة العماليين، وهو كذلك عامل عربي رخيص يُرضي شراهة الصهاينة الرأسماليين. ولكن المشكلة زادت تفاقماً لأن العمال اليمنيين لم يكونوا سعداء بأحوالهم، الأمر الذي اضطر المستوطنين إلى وقف استيراد اليهود من اليمن.