ولا يخلو تقرير لمنظمات حقوق الإنسان الدولية بعد أوسلو من رصد إدانة لاتخاذ إسرائيل التعذيب سياسة معتمدة رسمية ضد الفلسطينيين. وفي عام 1997 دعا بيان لجنة الأمم المتحدة إسرائيل مجدداً إلى التوقف الفوري عن ممارسة التعذيب. ويلفت النظر أن حكومة رابين التي كانت تلبس ثياب الإيمان بالسلام حاولت إصدار تشريعات خلال عام 1995 لإضفاء المشروعية على ممارسة التعذيب ولكنها اضطرت للتراجع تحت ضغط دولي. إلا أن تجذر الإرهاب العنصري داخل المؤسسات الإسرائيلية دفع المحكمة العليا في نوفمبر 1996 للإقرار للمحققين الإسرائيليين باستخدام ما وصفه بدرجة محددة من الإجبار والضغط البدنيين للحصول على معلومات من الفلسطينيين وذلك تحت دعوى "أمن إسرائيل" والحق في مكافحة ما وصفته "بالإرهاب الفلسطيني الأصولي ".
وكما أسلفنا، كان من المتصور أن تنحسر ممارسات إطلاق النار والاعتقال والسجن والتعذيب وهدم المنازل مع تقلُّص سلطات الاحتلال فوق الضفة والقطاع ومع تقدُّم عملية الحكم الذاتي الفلسطيني، إلا أن آليات العقاب الجماعي شهدت تطوراً في اتجاه ترسيخ أسلوب الحصار والتجويع عن طريق ما يُسمَّى "بالإغلاق الأمني" سواء لكل أنحاء الضفة والقطاع أو لمناطق محددة منهما.
وتؤكد خبرة السنوات الماضية منذ توقيع اتفاق أوسلو وبدء إعادة الانتشار الإسرائيلي أن الحكومات بقيادة حزبي العمل أو الليكود تنتهج فرض الحصار والتجويع عقب أية عملية تستهدف الإسرائيليين أو لأغراض الضغط على المفاوض الفلسطيني. ولا يمكن فهم ما يُسمَّى "بالإغلاق الأمني" بمعزل عن الطبيعة الاستعمارية الصهيونية التي تسعى لتحويل مناطق الحكم الذاتي إلى "معازل" على غرار تجربة جنوب أفريقيا العنصرية في السابق.